كانت حياة الأمير عثمان مؤسس الدولة العثمانية جهادًا ودعوة في سبيل الله، وكان علماء الدين يحيطون بالأمير ويشرفون على التخطيط الإداري والتنفيذ الشرعي في الإمارة.
ولقد حفظ لنا التاريخ وصية عثمان لإبنه أورخان وهو على فراش الموت، وكانت تلك الوصية فيها دلالة حضارية ومنهجية شرعية سارت عليها الدولة العثمانية فيما بعد..
يقول عثمان في وصيته: يا بُنَيّ، إياك أن تشتغل بشيء لم يأمر به الله رب العالمين، وإذا واجهتك في الحكم معضلة فإتخذ من مشورة علماء الدين موئلاً.
يا بني، أحط من أطاعك بالإعزاز، وأنعم على الجنود، ولا يغرنك الشيطان بجندك وبمالك، وإياك أن تبتعد عن أهل الشريعة.
يا بني، إنك تعلم أن غايتنا هي إرضاء الله رب العالمين، وأن بالجهاد يعمُّ نور ديننا كل الآفاق، فتحدث مرضات الله جل جلاله.
يا بني، لسنا من هؤلاء الذين يقيمون الحروب لشهوة حكم أو سيطرة أفراد، فنحن بالإسلام نحيا وللإسلام نموت، وهذا يا ولدي ما أنت له أهل.
وفي كتاب -التاريخ السياسي للدولة العلية العثمانية- تجد رواية أخرى للوصية:
اعلم يا بُنَيّ أن نشر الاسلام وهداية الناس إليه، وحماية أعراض المسلمين وأموالهم، أمانةٌ في عنقك سيسألك الله عز وجل عنها.
وفي كتاب -مأساة بني عثمان- نجد عبارات أخرى من وصية عثمان لإبنه أورخان تقول: يا بني، إنني أنتقل إلى جوار ربي، وأنا فخور بك بأنك ستكون عادلاً في الرعية، مجاهدًا في سبيل الله، لنشر دين الإسلام، يا بني أوصيك بعلماء الأمة، أدم رعايتهم، وأكثر من تبجيلهم، وانزل على مشورتهم، فإنهم لا يأمرون إلا بخير.
يا بني، إياك أن تفعل أمرًا لا يُرضي الله عز وجل، وإذا صعب عليك أمر فاسْأل علماء الشريعة، فإنهم سيدلونك على الخير.
واعلم يا بني أن طريقنا الوحيد في هذه الدنيا هو طريق الله، وأن مقصدنا الوحيد هو نشر دين الله، وأننا لسنا طُلاَّب جاه ولا دنيا.
وفي -التاريخ العثماني المصور- عبارات أخرى من وصية عثمان تقول:
وصيتي لأبنائي وأصدقائي، أديموا علو الدين الإسلامي الجليل بإدامة الجهاد في سبيل الله. أمسكوا راية الإسلام الشريفة في الأعلى بأكمل جهاد. إخدموا الإسلام دائمًا، لأن الله عز وجل قد وظف عبدًا ضعيفًا مثلي لفتح البلدان.
اذهبوا بكلمة التوحيد إلى أقصى البلدان بجهادكم في سبيل الله، ومن إنحرف من سلالتي عن الحق والعدل، حُرم من شفاعة الرسول الأعظم يوم المحشر.
يا بني، ليس في الدنيا أحد لا يخضع رقبته للموت، وقد إقترب أجلي بأمر الله جل جلاله، أسلمك هذه الدولة وأستودعك المولى عز وجل، إعدل في جميع شئونك.
لقد كانت هذه الوصية منهجًا سار عليه العثمانيون، فإهتموا بالعلم وبالمؤسسات العلمية وبالجيش وبالمؤسسات العسكرية، وبالعلماء وإحترامهم، وبالجهاد الذي أوصل فتوحًا إلى أقصى مكان وصلت إليه رايته جيش مسلم، وبالإمارة وبالحضارة.
الكاتب: د. علي الصلابي.
المصدر: موقع قصة الإسلام.